الضرب في الميت

نبذة عن كتاب الضرب في الميت

تدخل المكتبة في هدوء، تغلق خلفك الباب الزجاجي في شياكة، الباب الذي نقلك من حر، وزحمة، ودوشة الشارع، إلى الهدوء، وبرد، وشياكة المكتبة. تفرد قامتك بشدة، تتنسم هواء التكييف في سعادة ولذة. تلمح تلك الفتاة الأنيقة ذات الشعر الكيرلي التي تصفف الكتب في رقة وإثارة، تسير أعينك بسرعة في الكتب المصفوفة بنظام شديد على الأرفف. تمر على مئات العناوين المتراصة، تصطدم عيناك بكتاب مكتوب على غلافه “الضرب في الميت” تحدق في الاسم المكتوب بجوار العنوان، يبدو لك لوهلة أنك تعرف هذا البني آدم معرفة شخصية، لكن لا تذكر أين ومتى.. تشعر ناحيته بالشفقة، اعتقادًا منك أن “الضرب في الميت حرام” أو لأنك مثلي كائن قد ولد ليحيا فوق سطح الأرض مضروبًا، ويتم رزعه كل صباح علقة ساخنة في المواصلات، والعمل، والشارع، والبيت، وعلى عربيات الكبدة، وفي محلات الكشري، وأمام شاشة التيلفزيون، وعلى المقهى، وبين ورق الجرائد، وعلى سطور الأخبار، وعلى صفحات الفيسبوك، ويموت مرات كل صباح في إشارات المرور، ومرور إشارات العمر من بين عينيه، وينهزم آلاف المرات في طوابير العيش والجمعية، إلا أنه- ويا للغرابة- لا يزال سعيدًا ومستمتعًا بلذة الألم.
تمتد يدك إلى الأرفف متناولًا الكتاب في ترقب وشفقة على ذلك الميت المضروب، وتفتح صفحات الكتاب. تقربها من أنفك خوفًا من وجود روائح جثث، تشم رائحة الورق الأنيقة، تطمئن وتقربه إلى وجهك، وتبدأ في استكشاف حال ذلك الميت المضروب، تكتشف أنه أنت، وأن كاتب هذا الكتاب قد انضرب من زمان حتى الموت، وأنه قرر بدلًا من الصراخ والصويت، أن يتبرع بالكتابة عنك.
تقلب الكتاب على ظهره بسرعة، ولسان حالك يقول: “الضرب في الميت بكام؟” لكنك لا تجد سعرًا، فتنظر إلى الكاشير لحظة، وتسعد بوجود شخص آخر يحمل في يديه نفس الكتاب، وتضع يدك في جيبك متجهًا ناحية ذلك الكاشير المبتسم.
تعود إلى حر الشارع، ودوشته، وزحمته، والميادين الممتلئة بالبشر، والشوارع المكتظة بالسيارات، والأتوبيسات، وأمناء الشرطة، والباعة، وتسير حاملًا “الضرب في الميت” إلى أن تغيب في وسط الشر.