نبذة عن كتاب الدين الشعبي في مصر
تطرح الظاهرة الدينية نفسها بإلحاح شديد على مسرح الأحداث التي يشهدها المجتمع المصري في الآونة الأخيرة، ليس بإعتبارها شكلًا من أشكال الحركة النضالية، وتعبيرًا عن جماعات نائبة معينة، ولكن بحسبانها نشاطًا فكريًا يظلل أركان الوجود، وتفرض ذاتيتها على كل نشاط أو فعل أو تأمل. إنه حسب هذه الوظيفة، فالدين في أي مجتمع من المجتمعات، يأتي كظاهرة ثقافية تعمل على تقديم مجموعة من القيم المرجعية التي تحدد سلوكيات ودوافع الفاعلين الإجتماعيين، وتنظيم العلاقة النفعية بين الخالق والمخلوق، فضلًا عن القيام بوظيفة حارس أخلاق الجماعة وأعرافها، وفق ما تشعر به أو تدركه بأنه مقدس أو فوق طبيعي.
ولما كان ذلك هو رد فعل سلبي للوعي الإجتماعي الحقيقي، أو قل إنه خطاب الحياة العملية المنغمس في الشكل اللامرئي من الطقوس، والذي يدير ظهره للشكل الثائر والمخلص، فإن الدين الشعبي يأتي هنا بإعتباره أداة من أدوات العوام وغيرهم لحل مشاكلهم بطريقة ذاتية، وكرد فعل أنسحابي للتعامل مع المشكلات الصعبة التي تقف حائلًا أمام إشباع الأحتياجات الإجتماعية الملحة، أو قل لتكريس عجزهم من خلال صياغة لغة وخطاب خيالي وتأويل خاص للدين.
إن بزوغ التصوف على الساحة الثقافية- الدينية، وتقاطعه مع الدين الرسمي، يجعلنا نتصور أن هذا النوع من تأويل الدين، ما هو إلا بديل وظيفي للديانة التقليدية، تلك التي أستمدت من تجربتها الذاتية وسائل تعبيرية خاصة تراها تصورًا مثاليًا لعقيدتها. إن مسألة “الديانة التعويضية” تتبدى هنا بوضوح نتيجة هزيمة هذه الجماعة أمام قوة المادية وترفها، ومن ثم تحول المعاني إلى مجهودات زهدية وسلوكيات طقوسية وأندفاعات روحية متحررة من وصاية الديانات التاريخية.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.