نبذة عن كتاب مملكتا قتبان وسبأ
يحكي هذا الكتاب قصة شاب أمريكي جامعي طموح اسمه ويندل فيليبس، الذي استطاع رغم صغر سنه، وبشدة عزمه وعلو همته، وبمساندة وتشجيع من رئيس جامعة كاليفورنيا وشخصيات مرموقة أخرى أن ينشئ “المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان” بغرض القيام بعمليات استكشاف من أثرية في بلاد الشرق العربي القديم. وبما أن الاتجاه القديم آنذاك كان يركز على الاهتمام بالدراسات التورانية، فقد اختار وندل فيليبس أن تكون باكورة أعمال المؤسسة التي يترأسها إرسال بعثة أثرية إلى جبل الطور بسيناء وتصوير مخطوطات دير سانت كاترين.
ولعله بهذا الاستغلال للاستجابات الدينية في مجتمعه تمكن من الحصول على دعم أدبي ومالي وعيني من جهات حكومية وشركات ومؤسسات خاصة ومنظمات دينية وخيرية فانهالت عليه المنح والتبرعات فتولدت لديه من جراء ذلك فكرة “استكشاف من الممالك العربية القديمة الواقعة على طريق التوراني”. وهو العنوان الذي اختاره لكتابه هذا ومن ثم إلقاء الضوء على الملكة بلقيس ملكة سبأ الشهيرة التي أتي بها وبعرشها كما أخبرنا القرآن الكريم إلى النبي سليمان، وذلك في القرن العاشر قبل الميلاد. وهكذا جاء ويندل فيليبس في فبراير عام 1950 على رأس بعثة أثرية كبيرة ضمت نخبة من علماء الآثار والنقوش وبعد أن وصلت البعثة ومعداتها الضخمة إلى ميناء المكلا بحضرموت، انطلقت براً في نحو ثلاث عشرة شاحنة كبيرة متجهة جنوب بيجان مروراً بأهم مدن وادي حضرمون “تريم” و”سيؤن” ثم واصلت سيرها غرباً حتى وصلت إلى بيجان القصاب وأجرت البعثة خلال موسمين حفريات شملت ثلاثة مواقع رئيسية هي “جر كملان” موقع عاصمة “قتبان، تمنع”، وصيد من عقيل” جبانة العاصمة القتبانية، و”هجر بن حميد” ويقع على بعد نحو ثمانية أميال إلى الجنوب من هجر كملان وفي هجر بن حميد تمكنت البعثة من القيام بسبر استراتيجي (طبقي) قطاعي بعمق 15 متر وتم تحديد نحو 19 طبقة أثبرية. كانت المحصلة النهائية لتلك الحفريات إيجابية وباهرة إذ عثر على نحو 400 نقش قتباني منها نحو 260 نقشاً من حميد بن عقل، بالإضافة إلى عدد من المخربشات وتمثالين من البرونز لأسدين يمتطيها طفلان، وعقد من الذهب، ورؤوس من المرمر وكمية كبيرة من الفخار، والنصب، والتماثيل، والقبور، والآثار العمراينة الأخرى.
وبعد حفريات بيجان تطلع ويندل فيليبس نحو مأرب، وبعد تمكنه من الحصول على موافقة الإمام بدأ في التنقيب من مأرب في نوفمبر عام 1951 بمحرم بلقيس (معبد). وكان العمل في البداية يسير بشكل مرض يدعو إلى التفاؤل حيث تم إظهار بعض أجزاء المعبد السبئي والكشف عن عدد كبير من النقوش المكتوبة على جدرانه. وقد ظهر ويندل إلى الفرار من مأرب بسبب شعوره بخطر عيق به وبأفراد بعثته تاركاً وراءه معداته، وناقلاً بعض الصور والاستكشافات والرسوم التي تمكنت البعثة من القيام بها. حيث تمكن تلك المقربات من اكتشاف نحو 800 نقش سبئي من محرم بلقيس والمنطقة المحيطة به بالإضافة إلى عدد من التماثيل البرونزية والرخامية والنصب واللقى الأثرية والآثار العمرانية الأخرى. وأراد ويندل تعويض خسارته المادية والمعنوية فتوجه إلى سلطنة عمان.
وهناك في موقع يسمى “خور روري” قرب مدينة “صلالة” بظفار، تمكنت البعثة من الكشف عن مدينة حضرمية تسميها النقوش التي وجدت في الموقع (سمهوم)، وكذا عن معبد للآلة الحضرمي (سين). وبهذه الحفريات الآثارية بظفار عمان اختم ويندل فيليبس قصة استكشافاته الآثارية في بلاد العرب كما يرويها هذا الكتاب. وهي في حقيقة الأمر قصة بكل ما تحوله هذه الكلمة من معنى، إذ تمتلك الكثير من عناصر ومقومات الرواية الناجحة من تشويق ومغامرة وإثارة ودراما حقيقية، خصوصاً حادثة الهروب الحزين من مأرب مما يؤهلها لتكون أساساً لمادة فيلم من أفلام هوليوود. فقد برع المؤلف في سرد تفاصيل أحداثها بأسلوب مشوق وممتع رغم ما تقتضيه الدقة العلمية لطبيعة موضوعها من جفاف، وبلغة كلاسيكية رصينة في نصها الانكليزي استطاع ويندل أن يودعها وصفاً دقيقاً لتفاصيل الحياة اليومية والعادات والتقاليد ونجح في تسجيل ورصد الكثير من الحوادث الطريفة والغريبة والمعلومات النادرة والدقيقة أحياناً. ولا شك أن وجود إيلين سلامة السكرتيرة والمترجمة العربية للمؤلف قد أسهم في نقل صورة حية عن المجتمع النسائي باليمن وخصوصاً بمنطقتي “بيجان” وفارب”. وجاءت الترجمة العربية للمترجم سلسة حيث أضفت على النص جمالاً وفق جماله.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.