مقاييس اللغة

نبذة عن كتاب مقاييس اللغة

اشتاقت اللغة العربية إلى خروج مثل هذا السفر الذي هو مفخرة من مفاخر التأليف العربي، وثمرة من ثمار البحث اللغوي والاهتمام باللغة العربية- والذي لم تعرف اللغة العربية سابقًا له في مجال المعاجم، ولا ندري لغة أخرى حظيت بمثل هذا النوع من التأليف الذي اعتمد على إظهار العلاقات ووشائج الصلات بين المواد؛ وذلك برد كل مادة إلى معنى أو معاني تشترك فيها. وقد اعتمد ابن فارس في جمع مواد هذا الكتاب على خمس كتب كبار ذكرها في مقدمة كتابه، وهي: كتاب “العين” للخليل بن أحمد الفراهيدي، وكتابا “غريب الحديث” و”مصنف الغريب” لأبي عبيد لاقاسم ابن سلام، و”إصلاح المنطق” للشيخ يعقوب بن إسحاق الشهير بابن السكيت، و”الجمهرة” لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد.
وقد رتب ابن فارس معجمه على طريقة جديدة مبتكرة بين مؤلفي المعاجم؛ فهو لم يتبع نظام التقليبات الصوتية كما في “العين”، ولا رتبة على القافية كما في “لسان العرب”، وإنما اتبع الترتيب الأبجدي التالي: قسم مواد اللغة إلى كتب تبدأ بكتاب الهمزة وتنتهي بالياء، وكل كتاب ينقسم إلى ثلاثة أبواب؛ تبدأ بالثنائي والمضاعف والمطابق ثم الثلاثي الأصول وتنتهي بما زاد على الثلاثة، واللافت للانتباه في هذا الترتيب أنه يبدأ بعد الحرف الأول بالحرف الذي يليه؛ فعلى سبيل المثال نجد أنه في باب الهمزة والطاء وما بعدهما في الثلاثي يراعي في ترتيبها الآتي: “أطل- أطم- أطر” وكان القياس أن يأتي بالراء في أول الباب، ولكن أقرب الحروف بعد الطاء هو اللام… وهكذا. والكتاب على ذلك لا يعد مادة معجمية بحتة لكلمات ومرادفاتها وقياساتها واشتقاقاتها فحسب، وإنما أضفى عليه ابن فارس الكثير من جمال العبارة والروح الأدبية بما يجعله نزهة أدبية للمتنزه، ومادة علمية غزيرة متعمقة تنمي ملكة تفهم اللغة والوقوف على أسرارها للعالم والأديب.