عرب الهور

نبذة عن كتاب عرب الهور

لن أضيف شيئًا إن قلت: إن الكتاب مهم، وتأتي أهميته- بتقديري- من سلاسته وعفويته، فهو يتناول عموم منطقة الجنوب العراقي تقريباً واصفاً إياها في مدة امتازت بشدة التحولات السياسية التي توجت بثورة 14 من تموز المجيدة سنة 1958م، وما ترتب عليها من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وصف المؤلف انعكاساتها المتمثلة بالسلوك الشعبي العام وإن كانت المنطقة التي عاش فيها بطيئة التأثر بما يدور في مراكز المدن العراقية المهمة.
يمكن عد الكتاب سجلاً توثيقياً لشعبنا في الأهوار، فهو يصف كل شيء، بكاءهم وضحكهم، ورقصهم وغناءهم، ومأكلهم ومشربهم، ومنامهم وبيوتهم، ويصف خوفهم ورجاءهم، إنه باختصار يصف كل شيء يراه المؤلف ويعتقده مهماً بأسلوبه البسيط الشيق، مكملاً تلك التسجيلية الدقيقة بعدد وافر من الصور التي توضح طبيعة تلك الحياة. فهو لذلك صورة ناطقة لكل مفردات حياة امتازت بالبساطة والتلقائية والجمال. بيد أن ما يجب التنويه إليه أن ليس كل ما كتب عن سكان الهوار في هذا الكتاب صحيحاً على الإطلاق. وإن كانت ثمة هنات هنا وهناك متمثلة ببعض الآراء الجاهزة غير المتأنية والأفكار المسبقة التي لم يكلف المؤلف نفسه عناء البحث فيها وفي مظانها، إلا أنها لا توهن من عزم الكتاب في نواياه الكشفية شيئاً.
أعتقد أن هذا الكتاب هو أفضل ما كتب عن الأهوار العراقية على الإطلاق، فعلى حد علمي هناك ثلاثة كتب مهمة أجنبية حديثة نسبياً كتبت بالإنكليزية لمؤلفين بريطانيين عن هذا الموضوع، إلا أنها لا ترقى إلى أهمية هذا الكتاب، وذلك لعدة أسباب: يقف على رأسها شموليته واتساعه، ولتناوله مدة طويلة جداً بمقاييس الرحالين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا تقل عن الأولى أهمية: هي حساسية المؤلف الشديدة الرهافة أمام تفصيلات على درجة عالية من الدقة التوثيقية لا يعرفها إلا سكان تلك المنطقة أشبع فيها مؤلفه حد التخمة. أستطيع طمأنة القارئ أنه أمام النص كما هو بلا زيادة ولا نقصان إذا استثنينا الزيادة في الهوامش التي ابتغيت من ورائها إثراء الترجمة وإغنائها خاصة وأن الكتاب من أدق الكتب التي قرأتها عن هذا الموضوع، وأكثرها شمولاً وإحاطة بموضوع الهور.