تقويم النيل

نبذة عن كتاب تقويم النيل

ما بين أيدينا في هذه الأسفار الجليلة ليس أشعاراً ولا أساطير، ليس تاريخاً أدبياً متخيلاً يربط النيل بمنبعه في القمر، بل هو سيرة علمية، بأدق ما يمكن للعلم أن يصل إليه من معايير ونظم. بصرامة الوثائق، وحيدة الأرقام، وجلاء الأشكال والرسوم، وبلاغة الخرائط، يقدم أمين سامي باشا (1857 – 1941م) في “تقويم النيل” أكمل موسوعة علمية تسجل كل ما وعته حوافظ الكتب وأضابير الباحثين منذ أقدم العهود المدونة، وبكل اللغات الميسورة، لتستصفى منه خلاصة الحقائق الجغرافية والهندسية والتاريخية التي تمخضت عنها حقول المعرفة. بعد تمحيصها من شوائب الغرائب الميثولوجية وهوى الكتاب المختلفين. ومع أنه يستوعب في هذه الموسوعة حشدا ضخماً من البيانات الموثقة على مر الأزمان، ويتبع بشكل عام النسق التاريخي المتدرج من القديم إلى الحديث، إلا أنه خضوعاً للمنظور العلمي الذي يثق في المعلومات بقدر ما تقترب من زمنه وتخضع لاختباره، يتوسع إلى أقصى درجة في المادة المتعلقة بالقرن التاسع عشر بقدر ما يقتصد في المادة الأقدم من ذلك.
تقويم النيل إذن، بمجلداته الستة التي نقدمها تباعاً للباحثين والقراء، موسوعة متخصصة في التاريخ الجغرافي والاقتصادي والسياسي لمصر، منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية القرن التاسع عشر، تضخمت- كما أشرنا نتيجة لمنظور المؤلف العلمي- مادتها في عهد محمد علي وبنيه إلى نهاية حكم إسماعيل، ووضعت بطريقة محكمة تتجلى فيها خبرة هذه السلالة من مهندسي الري الذين تعلم على يديهم أمين سامي، وعرف كيف تكون بياناته من الدرجة الأولى عن حركة المياه وسياسة السدود وأشكال القناطر وأنواع المحاصيل، وطرق الاستثمار الأمثل للثروة المائية في التنمية الزراعية والاقتصادية. ولأن المؤلف قد ارتكز على هذه القاعدة الصلبة من البيانات الإحصائية في تقديمه لسيرة التحاريق والفياضانات وبيان تأثيرها المباشر على الحياة، فقد أتاح له ذلك أن يتعرض بشكل موضوعي لشئون الإدارة والسياسة، والاقتصاد والمجتمع، ليقدم سجلا موثقا لتطور مصر، خاصة منذ فجر نهضتها الحديثة في إطار موسوعي شامل.