تذكرة الدعاة

نبذة عن كتاب تذكرة الدعاة

إني أقرر من الآن ليس كتاباً يعرض للخطبة، فيستوعب قواعدها العلمية، ويستقصي أصولها الفنية، ويبني علي تلك القواعد ما يريده العلم، ويفرع من تلك القواعد ما يريده العلم، ويفرع من تلك الأصول ما يوحي به الفن، ويجد فيه الراغبون ما يشبع رغبتهم، ويمتع عقولهم وقلوبهم، ولكنه أحاديث لم أرجع فيها إلي كتاب مما دون في الخطابة وأصول الوعظ، إنما هي نظرات في كتاب الله -عز وجل-، وسنة رسوله -صلي الله عليه وسلم-، وتجارب خاصة عرضت لي في ميدان دعوتنا العظيمة، ولفتات قبست فيها من عبقرية أستاذنا المرشد -رحمه الله-، عبقريته الروحية والعقلية، فاقرأها علي هذا يا أخي إن أردت قراءتها، وأسأل الله أن يشرح لها صدرك، وأن ينفعك ببركة ما أحاط بها من حسن القصد بدءاً وختاماً,
علي أني لست آسفاً إذ أخرج هذه الأحاديث غير مستوعبة لقواعد الفن وأصوله، بل إنني راض غاية الرضي، فما قصدت أن أتحدث بها إلي خطباء أو راغبين في تعلم الخطابة، وإنما قصدت أن أتحدث بها إلي دعاة يرغبون أن يدعوا إلي الله -عز وجل-.
والداعية غير الخطيب، الخصيب وكفي، والداعية مؤمن بفكرة، يدعو إليها بالكتابة، والخطابة، والحديث العادي، والعمل الجدي في سيرته الخاصة والعامة، وبكل ما يستطيع من وسائل الدعاية، فهو كاتب وخطيب ومحدث وقدوة، يؤثر في الناس بعمله وشخصه.. والداعية أيضاً طبيب اجتماعي يعالج أمراض النفوس، ويصلح أوضاع المجتمع الفاسدة، فهو ناقد بصير، يقف حياته علي الإصلاح إلي ما شاء الله.. وهو رفيق، وصديق، وأخ للغني والفقير، والكبير والصغير، ومن هذه الصفات تشيع المحبة في قلبه، وتتدفق الرحمة من عينيه، وتجري المواساة علي لسانه ويديه، وهذا ضروري جداً للداعية، وهو من مواهب الروح والجنان، لا من صفات البلاغة وملكات اللسان.. والداعية قائد في محيطه، وسياسي في بيئته، وزعيم لفكرته ومن يتبعه في ناحيته، وكل هذا لا تنهض الخطابة وحدها بحقوقه، فلابد له من التأثير النفساني، والهيمنة الروحية، والاتصال بالله، واستعانة العقل بما حصل من تجارب التاريخ وأحوال الناس.
ولست بهذا أغض من قدر الخطابة وضرورتها للدعوة، وإنما أبين بعض صفات الداعية لتستبين طبيعة هذه الأحاديث التي سيقت للدعاة، لا للخطباء كما سترى -إن شاء الله- في فصولها القادمة.