المدخل الى النظرية الاقتصادية في المنهج الاسلامي

نبذة عن كتاب المدخل الى النظرية الاقتصادية في المنهج الاسلامي

حفزنى إلى القبول بكتابة هذا المدخل عدد من الامور يتشابك بعضها مع البعض الآخر: أما الأمر الأول فهو أن نغمة معينة قد بدأت تتردد فى جنبات عالمنا الاسلامى فى مجال الحديث عن الاقتصاد تتمثل فى ذلك اللوم أو العتاب الذى يوجه نحو علماء الدين وفقهائه لدينا حتى انهم ليتهمون فى بعض الاحيان بالجمود أو التحجر ووجهة نظرى فى ذلك انهم ليسوا مختصين بذلك, وانما اختصاصهم فى تقديري أن ينظروا فى الاجتهادات أو الحلول التى يقدمها اصحاب الاختصاص من الاقتصاديين المسلمين ليقولوا كلمتهم فى مطابقة هذه الاجتهادات أو الحلول للشريعة الاسلامية, وفى قبول التشريع الاسلامى لها أو عدم قبوله.
وأما الأمر الثانى فهو ذلك الحصر الذى نجد أن نخبة الاقتصاديين لدينا لا يجدون منه فكاكا ولا يستطيعون عنه خروجا, فهو واحد من اثنين: صنف يطرح العقيدة خلف ظهره, لا يبالي بها ولا ينطق منها ولا يتقيد بمعطياتها وينحاز لنظرية معينة, وآخر يختار من خلال رفضه للالحاد والمادية- مدرسة اخرى.
وأما الأمر الثالث فهو أن الاجتهادات الجزئية المخلصة التى تصدت لتضحية النظام الاقتصادى فى الاسلام قد سدت على نفسها منافذ الانطلاق والابداع عندما عالجت هذا الموضوع بمنهج كلامى نظري.
والنقطة المحورية عندى هى أن المشكلة العظمى التى تكبل النظامين الشرقى والغربى تتمثل- مهما بدا الأمر على خلاف ذلك- فى أن المال قد أصبح فى حقيقة الأمر سجانا للعمل وسيدا للبشر وطاغوتا منفلتا من كل قيد. والطريقة العملية لتطويع المال واعادته الى وظيفته الطبيعية اداة لا وسيلة وخادما لا سيدا تأتى عن طريق قيام بيوتات مالية اسلامية- تدرك هذه المشكلة وتستظل بالعقيدة- بتقديم الوسائل العملية الملموسة لاساليب ترويض هذا المال وسياسته. ومع نجاح نموذج هنا وهنا وهنا نستطيع فى النهاية أن نصل الى تطبيق الاسلام تطبيقا عمليا فى المجال الاقتصادي.
وفى ضوء وجهة النظر هذه اوردت فصلا فى نهاية هذا المدخل عن تلك النماذج من المصارف الاسلامية التى اشرت الى دعوتى اليها مستغنيا بذلك- وفى ضوء ما قدمت من حاجتنا الى الممارسة والمشاهدة- عن الافاضة فى تقديم ذلك الفصل التقليدى الذى تقدمه كتب الاقتصاد- عن النقود. أما بقية فصول الكتاب فقد أملت منها أن اقدم محاولة لكسر تلك القيود التى ضفرتها افكارا اجنبية حول اناقنا, كما أملت منها كذلك أن اضرب معولا فى دعوى الحتمية التى لا أجد لها مبررا سوى الأسر الفكرى الذى يسد أمامنا ابواب الاجتهاد, ومن ثم فقد كنت اكتفى عن اقتناع فى هذه الفصول بتقديم المادة الضرورية التى تصل بى الى اثارة القضايا التى نشرت الكتاب من اجلها.