القضاء والقدر فى فجر الإسلام وضحاه القرون الثلاثة الأولى

نبذة عن كتاب القضاء والقدر فى فجر الإسلام وضحاه القرون الثلاثة الأولى

تهدف هذه الدراسة الى وصف مسار الفكر خلال القرون الثلاثة الأولى -أو نحوها- في عالم الاسلام، من خلال متابعة قضايا حرية الارادة البشرية (الاختيار) والجبر، كما تحاول -أى هذه الدراسة- أن توضح المبادئ العظمى (أو الأساسية) والمؤثرات الواقعة على قلب (الانسان المسلم) وعقله، وكيف أن كل ذلك نابع من الادراك الاساسي لوجود الله (سبحانه).
ومن الضروري لتحقيق هذا الهدف -أى هدف هذه الدراسة- أن نجرد أنفسنا- بقدر الطاقة من الأحكام المسبقة والتصورات التي شاعت في الفكر الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، فعلى سبيل المثال، هناك تشابه على نحو من الأنحاء بين وجهات نظر المعتزلة ووجهات نظر من نسميهم في الفكر الغربي باسم الليبراليين Liberal thinkers، لكن أن نعتبر الاثنين (المعتزلة والليبراليين الغربيين) نسخة طبق الأصل أو نعتبرهما متماثلين لدرجة أن نسمي المعتزلة باسم (مفكرون الاسلام الليبراليون) أو (العلماء الليبرالييون الاسلاميون) أو (اللاهوتيون المسلمون المتحررون) كما فعل الباحث هوزتن، فهذا يؤدي بنا الى نتائج خاطئة.
وفكرة حرية الادارة Free will بمعناها الضيق لم ترد ابداً في فكرة المسلم، وانما حلت محلها فكرة مختلفة اختلافا يسيرا هي “استاعة” الانسان أو “قدرة الانسان” على الفعل وتقرير مجرى الأحداث (حرية الاختيار).
والأهم من كل هذا، أنه من الضروري أن ننوه الى أن الاقتراب من هذا الموضوع يحتاج الى عقل متفتح ومتجرد ولماح. ونظراً لأن الحياد الكامل يعد ضرباً من المستحيلات، فأن أفضل ما يمكنني عمله هو أن أوضح بجلاء عقيدتي في هذا الموضوع، ففي رأيي أن قضية حرية الارادة والجبر أو العلاقة بين استطاعة الله (سبحانه) واستطاعة الانسان تتمثل أمامنا كحقيقتين متواجهتين أو متعارضتين أو حتى متكاملتين: تكمل أحداهما الأخرى، لا يمكن للأنسان في هذه المرحلة من تطوره الفكري أن يوافق بينهما وانما لابد -مع هذا- أن يعتقد فيهما معا رغم كونهما متعارضتين.