الفضائيات العربية والسياسة في الشرق الأوسط

نبذة عن كتاب الفضائيات العربية والسياسة في الشرق الأوسط

ليس هناك أدنى شك في أن الشرق الأوسط يشهد ثورة معلومات هائلة، فقد برزت خلال الأعوام القليلة الماضية محطات تلفزيونية فضائية عربية متنوعة صاحبها زخم إعلامي غير مسبوق.
وساهمت عوامل عديدة في هذا التوسع الملحوظ في البث الفضائي في العالم العربي، ومن هذه العوامل الرئيسية التحول الليبرالي السياسي النسبي، وإنتهاج سياسات الخصخصة الإقتصادية، والتحديث التقني الذي شمل إدخال تقنيات وسعت مساحة البث الإعلامي مثل الكابل والألياف البصرية والتقنية الرقمية.
وترتبط المرحلة الحالية في تاريخ الإعلام العربي بالبيئة المنفتحة التي ظهرت بعد نهاية الحرب الباردة وهي بيئة تتسم بالترابط العالمي. وتتضح هذه الحالة في إتساع رقعة إقتصادات السوق الحرة، وبروز الخصخصة كمفهوم محدد في الإقتصادات الوطنية والدولية، وإنتشار المعلومات المبنية على التقنية الرقمية. وأدت إعادة الهيكلة العالمية لتدفق المعلومات خلال العقد المنصرم أو نحوه إلى تعزيز تطور البث الفضائي في المنطقة.
غير أن نقطة التحول التي شكّلت دافعاً لهذه التغيرات هي التغطية الحصرية التي قدمتها محطة سي إن إن CNN لحرب الخليج الثانية عام 1991، فقد ولّدت هذه التغطية لدى الشعوب العربية وغيرها إحساساً بالقوة الكامنة في وسائل الإعلام، كما دفعت تطور البث الفضائي في العالم العربي. وفي السنوات التي تلت عام 1991، بدأت القنوات الفضائية العربية في شغل المساحة التي درجت وسائل الإعلام الغربية على ملئها. وتبث الفضائيات العربية برامج متنوعة للمشاهدين العرب الذين أصبحت لديهم رغبة في متابعة برامج أفضل وأخبار تتمتع بقدر أكبر من المصداقية والبعد عن الرقابة الرسمية، وذلك مقارنة بالأخبار والبرامج التي تبثها وسائل الإعلام الحكومية التي تخضع لرقابة صارمة.
وبعد أن أضحت مشروعات البث الفضائي العربية في أوجها، أصبحت الساحة الإعلامية في الشرق الأوسط في حالة نشاط كبير، واتسعت مكوناتها بقدر غير مسبوق. وتزيد الظروف الحالية في العالم العربي من درجة تعقد هذا الوضع، كما أدت الأحداث التي شهدها العالم مؤخراً إلى إبراز الأهمية الجيوسياسية للمنطقة، ونقلت الإعلام العربي إلى دائرة الإهتمام العالمي.
من الواضح أن البث التلفزيوني الفضائي العربي يمتد إلى ما وراء الحدود الوطنية، وأن له بعداً إقليمياً. غير أن الأمر الذي ما يزال غير واضح هنا هو التأثير المستقبلي المحتمل لآليات الحراك الجديدة هذه والمتغيرة في الحياة السياسية بالشرق الأوسط والعالم العربي. إن الأمر الذي يتسم بأهمية خاصة في هذا الجانب ليس البث التلفزيوني الفضائي في حد ذاته، وإنما البعد السياسي للبث التلفزيوني الفضائي، وبخاصة الكيفية والمدى اللذان تؤثر بهما الأخبار ومناقشة المعلومات والشؤون الراهنة والبرامج الأخرى ذات التوجه السياسي في المنطقة ككل، والكيفية والمدى اللذان تغيرت بهما العلاقة بين الدولة ووسائل الإعلام، وتأثير البث التلفزيوني الفضائي في العلاقات بين الدول العربية وما يسمى “الشارع العربي”، لا سيما أن البث التلفزيوني يوسع مشاركة الطبقات الإجتماعية المختلفة في النقاش العام. إن البث التلفزيوني يوسع المجالات التي يمكن للشعوب أن تتحدث عنها بصورة علنية، وهو يخلق مجالاً عربياً عاماً نشطاً حسب الفهم الذي قدمه يورجن هبرماس لهذا المصطلح. كما أن الأسلوب الذي يحدث به هذا الجانب يثير الإهتمام، ومن الإفتراضات الأساسية التي تطرحها هذه الدراسة أن إنتشار البث التلفزيوني الفضائي يعمل على تغيير معنى كلمة “عام” وحدود ما جرت العادة على تصويره على أساس أنه شأن “عام” في العالم العربي.تبحث الدراسة في تأثير البرامج السياسية التي تبثها الفضائيات العربية على العلاقة بين الدولة ووسائل الإعلام، والعلاقات بين الدول العربية وما يسمى “الشارع العربي”، وتفترض أن هذه الفضائيات توسع مجال المشاركة السياسية، وحدود ما يمكن اعتباره شاناً عاماً.