نبذة عن كتاب أنماط النظام والتغيرات في العلاقات الدولية الحروب الكبرى وعواقبها
يبدو موضوع أنماط النظام والتغيرات في العلاقات الدولية موضوعاً مباشراً في طرحه بصورة ربما تكون مخادعة، غير أنه يظل أحد الموضوعات البحثية المهمة، نتيجة عدم توصل الأدبيات السابقة إلى استنتاجات مرضية فيه.
وتذهب المدرسة الواقعية الجديدة إلى أن عالم السياسة الدولية لا يتغير، وأن بنية السياسة الدولية كانت بلا تحديات وستظل كذلك. ويرى أصحاب هذا الفكر أن العالم ما دام مؤلفاً من دول ذات سيادة تدعي السلطان القضائي والولاية على أراضيها، فلا يمكن الأحوال الأساسية للعلاقات الدولية إلا أن تبقى ثابتة، ما لم تأت سلطة عالمية جديدة وتفرض عقوبات على السلوك المنحرف وتحل محل هياكل القوة القائمة.
وعلى عكس ذلك، تقدم المفكرون الليبراليون برأي لا يقل في بساطته عن الرأي السابق ، مفاده أن العلاقات الدولية قد تغيرت بشدة في واقع الأمر. ويتضمن هذا الرأي أمرين اثنين، يؤكد الأول منهما أنه مع الانتقال من وضع السلطة التقليدية إلى أشكال من الحكم تتسم بقدر أكبر من المؤسساتية والليبرالية-إن لم تكن ديمقراطية- أخذت لعبة السلطة التقليدية (الكلاسيكية) بمحصلتها الصفرية في الدول ذات السيادة تفسح الطريق أمام لعبة “محصلتها غير صفرية” للمواطنين. أما الثاني فيذهب إلى أن العولمة والاعتماد المتبادل بين الدول شكلاً تحدياً لاستقلالية الدول ذات السيادة، مما ضيق نطاق الاستفادة من فرص المساعدة الذاتية وأساليبها.
يفرض كلا الرأيين في تبسيط حالة التغير التاريخي الذي شهده العالم، وكذلك حالة اللاتغيير. وفيما يتعلق بالحالة الأولى، لم تظهر سلطات عالمية، ولكن هل كان للولايات المتحدة الأميركية ند مكافئ لها في أوربا في القرن الثامن عشر؟ وفيما يتعلق بحالة اللاتغيير نقول: نعم لقد تغيرت أشكال السياسة والحكم، ولكن هل اختلف سلوك الحكام الديمقراطيين عن سلوك أسلافهم المستبدين؟ صحيح أن العولمة الحقيقية شكلت تحدياً للحدود القومية، ولكن هل أدى ذلك إلى تقليص الصراعات بين الدول؟
ولكي يستطيع الخوض في هذه القضايا المعقدة يمكن -على سبيل الاسترشاد- ذكر بعض الآراء السياسية، إذ لا تتضمن العلاقات الدولية حالة من الفوضى السياسية أو انعدام النظام، بل تمثل ساحة تحتمل تنوع النظم بها., وأي نظام لا ينهض على عنصر الإجبار فحسب هو في حقيقة الأمر نظام قابل للبقاء وللتحقق (وهذا شرط مستحيل في تصور الواقعيين الجدد) وتعضد هذا الرأي أمثلة تاريخية وأخرى معاصرة.
ومع ذلك فإن وضع مثل هذا “النظام” على طريق التطور التدريجي من الفوضى السياسية إلى صدارة حكم العالم سيكون تمثيلاً خاطئاً. ويبدو أن هناك أدلة قليلة تؤيد فكرة وجود طريق يفضي إلى التكامل السياسي، كما تتباين أنماط النظام والفوضى بصورة كبيرة من منطقة إلى أخرى.
وهكذا يمكن أن يتحدث المرء عن حالات من النظم وحالات من الفوضى، وبدلاً من تقليص المجال إلى مجرد فوضى أو طريق باتجاه التطور التدريجي يستطيع المرء، بل يجب عليه، الحديث عن التغيرات التي تعتري العلاقات الدولية، أي التغيرات بالانتقال من الأشكال المختلفة من حالات النظام وحالات الفوضى والتناوب عليها. كما يمكن الدفع بأن الفترات التي أعقبت الحروب الكبرى هي اللحظات الحاسمة للتغيير في العلاقات الدولية كما لوحظ ذلك في النظم الجديدة، مثل: وستفاليا و فيينا، وفرساي، التي انبثقت في أعقاب الحروب الكبرى.
وأخيراً يمكن أن يضاف إلى هذه المعادلة عامل آخر هو التركيز على دخول أطراف فاعلة وقوى غير غربية في حسابات سياسات القوى التقليدية (الكلاسيكية). فانضمام هذه الأقطار غير الغربية إلى المجتمع الدولي سوف يحدث تغيرات في البنية الأساسية للعلاقات الدولية، وقد يكون هذا هو التحدي الأكبر الذي ستواجهه النظم الدولية في المستقبل.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.