مذكراتي في نصف قرن

نبذة عن كتاب مذكراتي في نصف قرن

اليوم أقدم لهذ الجيل، ثم الاجيال المقبلة من بعده، صفحة من تاريخ مصر، فى حقبة من الزمن، لم أشأ أطوى الحياة فيها سدى، وأن أشهد حوداثها تجرى سراعا، دون أثباتها وتسجيل ادوارها، وما ادركت من وقائع، فقيدت شواردها فى بطون هذة المذكرات، التى شغلت تدوينها فراغآ عزيزآ من حياتى، وأودعتها سجلا جافلا لمجرى الحوادث والشئون فى هذا العهد، وكثيرآ من خواصه وذكرياته، وقد قدر الغربيون المذكرات قدرها، فاعتبروها فرضآ على الجيل القائم نحو الأجيال المقبلة، وناحية هامة فى تدوين التاريخ، وجزءآ متمها له، ربما كان أصدق أجزائه، ذلك أنها سجلت للحوادث يتتبع سيرها الطبيعى، فيقيدها كما وقعت وشوهدت دون رأى أوتعليق خاص، ودون شهوة أو غاية شخصية، فاذا ذهب ذلك العهد وتعاقبت عليه السنون، ألغى التاريخ الحق فى هذه المذكرات مادة نفيسة تؤمن شواهدها ودلائها، وأمكن أستخراج الحوادث من بطونها غضة نقية من شوائب الغرض والهوى، ولقد دفعتنى إلى تدوين هذه المذكرات عوامل كثيرة، كان بعضها كامنا فى نفسي، والبعض الاخر هيأته الظروف التى احاطت بى، وكل عامل منها يكفى بذاته لأن يدفعنى الى تسطيرها، فلما اجتمعت زاد الاهتمام بها فى نفسى.
وقد جرت العادة ألا ينشر مثل هذة المذكرات إلا بعد وفاة صاحبها، وربما يلوح غريبآ أن أتولى بنفسى نشر مذكراتى، بيد أننى خشيت تناثرها بعد وفاتى، أو نشرها مشوهة مبتورة، ثم أن فيها ما يتعلق بشخصيات ما زالت على قد الحياة، فإذا نشرت اليوم كان ثمة مجال لفحصها ونقدها أن كان محل للنقد، كما أنه كان من الشجاعة الادبية أن تنشر مذكرات فى حياة مدونها فيحتمل، وهو على قيد الحياة، كل تبعية فيما تسجل من الحوادث والشئون، هذا ولست أدعى أننى اقدم بهذه المذكرات مادة كافية لصوغ تاريخ مصر الحديث فى العهد الأخير، وتقع هذه المذكرات فى ثلاثة أجزاء ،الجزء الاول: من أواخر عصر “اسماعيل” إلى وفاة ” توفيق”، والثانى عهد ” عباس الثانى” خاتم الخديويين، والثالث: “عباس الثانى” والحرب العظمى، وتتضمن جميع هذه الاجزاء صورآ كثيرة، فيها النادر والذى لم يسبق نشره، للأشخاص والمناظر، حقيقية ورمزية، للمناسبات التى تتحدث عنها المذكرات.