دنيا

نبذة عن كتاب دنيا

لايحتاج يحيى حقى إلى تقديمنا, بل نحن الذين نحتاج إلى دراسة أعماله لنستمتع ونتأمل ونتعلم.. والحق أن أعماله, بقدر أهميتها ومستواها الأدبى الرفيع, متنوعة جدا, فقد عاش يحيى حقلى رحمه الله حياته كلها (1905- 1992) مخلصا للقلم, مهموما بقضايا الفن والثقافة, فكان روائيا وقاصا عظيما وكاتب مقالة من الطراز الأول ومفكرا اجتماعيا كبيرا وناقد لأنواع شتى من الفن بدءا من القصة إلى الموسيقى والسينما ولسوف تجد أيها القارئ العزيز, فى هذا الكتاب, عدد “11” قصة من تأليف يحيى حقى, هى فى رأيى من أجمل ما كتب فى الأدب العربى, ولقد فضلت أن أترك لك متعة قراءة هذه القصص خالصة صافية فلا أفسدها بالشرح والنظريات, لكننى سأحاول فيما يلى أن ألخص فضل يحيى حقى على أدبنا العربى الحديث.. وياليها من مهمة صعبة, لاتكفيها أبدا هذه الحالة.. لكننى سأحاول..
الأستاذ يحيى حقى هو رائد القصة العربية الحديثة.. ولا يعنى ذلك أنه أول من كتب القصة فى عصرنا الحديث. فقد كتبها قبله آخرون. لكنه أول من وضع لها ملامح فنية جعلت منها فنا مستقلا له معايير محددة ومفاهيم واضحة. وفى سبيل التأسيس للقصة العربية المتطورة خاض الرائد العظيم يحيى حقى معركة طويلة وصعبة ضد أساليب الكتابة العتيقة البالية التى عفا عليها الزمن ولم تعد تلائم ذوق القارئ ولا أفكاره. بذل الرائد مجهودا مضنيا لى يخلص الكتابة العربية من أسلوب الوعظ والإرشاد والخطابة, أسلوب الزخارف والبهرجة اللفظية والمترادفات.. كان عليه أن يقدم نموذجا جديدا للقصة القصيرة بعيدا عن الحدوتة المسلية.
ولم يكن للتطور الذى أنجزه فى القصة العربية أن يكتمل بغير تطوير مواز له فى الأسلوب. وهو يؤكد هذه الفكرة فيكتب فى سيرته الذاتية: “لا أتحول عن اعتقادى بأن كل تطور أدبى هو فى المقام الأول تطور أسلوب” ثم يكتب: “لست أخجل من القول بأنى منذ أمسكت بالقلم وأنا ممتلئ بالثورة على الأساليب الزخرفية, متحمس أشد التحمس لاصطناع أسلوب جديد أسميه الأسلوب العلمى, الذى يهيم بالدقة والعمق والصدق..”, هكذا يشرح لنا الرائد العظيم كيف تخلص من الأشكال القديمة للكتابة ليؤسس للغة جديدة مطابقة للمعنى.. لغة يعتبرها يحيى حقى وسيلة لإيضاح المعنى وليست هدفا أدبيا فى حد ذاتها.