نبذة عن كتاب جونتنامو
أحن إلى البوح.. ربما أرتاح حيناً لو حكيت لأحد الأحبة كلمات قليلات، أو لأحد الأعداء، فهل أجد من ينصت إلىَّ فأرى صورتي تتجلى على مرآته، فأراني، فأنجو من دوامات الوحدة الطاحنة الملقية بنا إلى قاع أعماقنا المعتمة، تلك الأعماق السحيقة، المشوبة باشتهاء التلاشي وإغواء الإنتهاء. إغواء الفناء يملؤني الآن، ويميلني إليه، فأميل مضطراً من فرط الترنح.. الهزات التي تهدأ أركاني، تسحقني ثم تبعثرني. لم يبق مني بعدما استطالت جلستي هذه، إلا اليسير من الحواس. فليس لي غير سمع يؤرقني بأنات المحيطين وشم يعوقه احتباس أنفاسي، وذاكرة لم يبق فيها إلا آيات الرحمن. هل قضى الله علىَّ بعد هواني هذا، بالإنهيار. سبحانه، أم تراه يضعنا كالمعتاد في المحن، ليتميز الخبيث من الطيب؟ هل الله يحتاج ذلك! فلماذا إذن يعذبنا بالنازلات الماحقات، وهو تعالى العليم الخبير الذي لا حجة لأحد عليه، وله على العالمين الحجة البالغة. من يدري، لعل الواسع العليم له حكم خفية لا سبيل أمامنا إلى فهمها “الله يعلم وأنتم لا تعلمون”.. طيب!
أهو محال أن أرى ولو طيف إنسان، فأستريح لحظة مما أعانيه ولا أعرف له سبباً؟ كل ما حولي محال، فالعتمة تلفني بطبقات ظلام يهيم بعضها في قلب بعض، وفمي مكمم بشريط لاصق لا يمكنني لمسه بأصابعي، وأطرافي مقيدة بإحكام يحول دون التحرك ويجعل التجوال حلماً. لا هوان أنكي مما يحوطني منذ الأمس. ففي جوف ليلة بهماء كالعماء الأول، أخذتني هذه الطائرة العسكرية من سجن “قندهار” وحلقت إلى حيث لا أعرف، مع أسرى لا اعرفهم، وحراس عرفت قسوتهم من قبيح أفعالهم ومن صدق قوله تعالى: “وإذا بطشتم، بطشتم جبارين”.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.