الرخاء المفقر ؛ التبذير والبطالة والعوز


نبذة عن كتاب الرخاء المفقر ؛ التبذير والبطالة والعوز

يتناول كتاب الرخاء المفقر، أولاً، أسباب عجز الليبرالية المحدثة -أو بالأحرى رداءها الاقتصادي الموسوم “النظرية الكلاسيكية المحدثة”- عن القضاء على البطالة، كما يتناول ثانياً، القرائن النظرية التي طرحت على بساط البحث في حقب تاريخية معينة لحل مشكلة البطالة، والنتائج السياسية والاجتماعية الممكن استخلاصها من هذه القرائن. وسواء تعلق الأمر بمنهجه التحليلي، أو بالمقولات التي ينطلق منها، أو بأسلوبه في التعبير، فإن الأمر البين هو أن مؤلف الكتاب يهتدي بوجهة النظر الماركسية-الكينزية. من هنا يختلف هذا الكتاب اختلافاً جذرياً عن الكثير من المؤلفات التقليدية في تناوله لمشكلة البطالة في الدول الرأسمالية المتقدمة.
ففي الفصل الأول من مؤلفه ينطلق كارل غيورك تسين من العمل البشري بوصفه الأساس الذي تقوم عليه الحياة الاقتصادية في كل مجتمع. وانسجاماً مع هذا المنظور، راح المؤلف يحلل، في ضوء الفكر الكلاسيكي المتمثل بآراء آدم سمث وديفيد ريكاردو وكارل ماركس، ماهية العمل المأجور وخصائص فائض العمل والأسس التي يقوم عليها استغلال العامل الأجير. بعد ذلك يستعين المؤلف بآراء الفيلسوف الألماني آرتور شوبنهور لتوضيح جانب آخر من جوانب الاستغلال السائد في الاقتصادات الرأسمالية، فالملاحظ في هذه الاقتصادات أن ثمة شرائح اجتماعية تحصل على دخول نقدية معتبرة، تتأتى من ملكيتها للثروة، أي دون أن ترهق نفسها ببذل شيء من العمل المنتج، ومن ثم يستنبط تسين مفهوماً حديثاً للبطالة مفاده أن البطالة الحديثة ليست مشكلة ناجمة عن العوز والفاقة، بل هي مشكلة ناجمة عن اليسر والثراء، واستناداً إلى هذا المنظور يؤكد المؤلف أن للبطالة علاقة متينة بتوزيع الدخل القومي والثروة الوطنية على شرائح المجتمع المختلفة، وبهذا المعنى فهي ليست، أبداً، ظاهرة تنشأ عن التقدم التكنولوجي أو العولمة، فضلاً عن أن تكون انعكاساً لفعل قانون طبيعي.
ويستند المؤلف في تحليله اللاحق إلى النظرية الكينزية استناداً كاملاً. ومنعاً لحدوث التباس بخصوص موقفه حيال المدارس الاقتصادية المختلفة يقول المؤلف صراحة: “ولا مراء أن القارئ قد لاحظ بوضوح أننا لسنا من دعاة العقيدة التي تستند إليها النظرية السائدة، فنحن ننطلق في تحليلنا من الاقتصاد السياسي الذي نظره كينز وفوراستي وغيرهما من الاقتصاديين الواقعيين”. وانسجاماً مع هذا المنظور يفسر المؤلف الأزمة الاقتصادية، السائدة حالياً في الدول الرأسمالية المتقدمة، انطلاقاً من جانب الطلب معتبراً أنها أزمة ركود طويل الأجل، لا أزمة ناشئة بفعل التقلبات الدورية التي تطرأ عل مستوى “فالنظرية الكينزية تستخلص، من المنظور الطويل الأجل، نتيجة مفادها أن عملية النمو الاقتصادي تفرز، شئناً أن أبيناً، الركود في نهاية المطاف، أي أن النمو في الاقتصادات الغنية لا يتحول إلى حالة الركود بفعل عوامل “خارجية” من قبيل إخفاق السياسة أو تزايد الأعباء البيئية، أو نقص حاد في المواد الأولية على سبيل المثال)، بل لأن النمو الاقتصادي ذاته هو الذي يخلق الركود بنحو ما!”.
وتكتسب طروحات الكتاب أهمية خاصة حين يقارن المؤلف الحالة القائمة في الدول الصناعية حالياً بالحالة التي انتابت هذه الدول عشية اندلاع الركود الكبير في الفترة الواقعة بين عامي 1929 و1933. وفي سياق هذه المقارنة لا يكتفي المؤلف بإبراز تشابه كلتا الحالتين من حيث تفاقم ارتفاع معدلات البطالة وتوقف عملية النمو الاقتصادي فحسب، بل يشير بجلاء إلى تشابه السياسات الاقتصادية أيضاً، وما اتخذته هذه السياسات في كلتا الحالتين من خطوات للتعامل مع البطالة المتفاقمة، فيقول: “إن ما يجري انتهاجه عملياً ليس سوى صيغة لسياسة انكماشية معولمة الأبعاد تتجاهل كلية حقيقة مشكلة الركود”. ويواصل المؤلف مقارنته للحالتين فيؤكد، مشيراً إلى التحولات السياسية الجذرية التي نشأـ عقب انتخاب ملايين العاطلين عن العمل أدولف هتلر رئيساً للحكومة، أن “ثمة أوجه شبه عديدة بين الحالة السائدة في اليوم الراهن والركود الكبير الذي ساد في ثلاثينيات القرن العشرين. من هنا لا تختلف، كثيراً المخاطر السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الناشرة ظلالها حالياً، عن المخاطر التي سادت آنذاك.
ويلعب تزايد إشباع الحاجات الاستهلاكية وارتفاع معدلات الادخار دوراً جوهرياً في تحليل المؤلف للأزمة.
يسلط المؤلف -بعد تحليله للوضع الاقتصادي القائم في المجتمعات الصناعية- الضوء على النظرية الاقتصادية الكلاسيكية المحدثة، فيفند مزاعمها ويبين، بكفاءة عالية، زيف النتائج المستخلصة منها. فمن خلال دراسته لهذه النظرية على ضوء ما قدم بعض الاقتصاديين على 1933 من مقترحات ترمي إلى إصلاح الوضع الاقتصادي والقضاء على البطالة، استطاع المؤلف فعلاً أن يزيح النقاب عن أوجه الشبه القائمة بين تصورات تلك الحقبة والحقبة الحالية، من حيث المسائل العملية المطروحة على بساط البحث، ومن حيث طرائق التفكير السائدة في كلتا الحقبتين.
ولكي يقف القارئ عل مغزى الحلول المقترحة لمواجهة ألأزمة يركز المؤلف جهوده على تبيان الخلفية الإيديولوجية للمواقف المختلفة التي اتخذها الاقتصاديون في الزمن الغابر، والتي يتخذونها في اليوم الراهن، لأن الإحاطة بمغزى هذه المواقف هو الأمر الذي يبين أسباب عدم اتخاذ الحلول الناجعة قبل عام 1933، أي قبل وصول الحزب النازي إلى سدة الحكم في ألمانيا، وما أعقب ذلك من حرب عالمية مدمرة أسفرت عن انهيار ألمانيا انهياراً كاملاً وقتل ما يزيد على خمسين مليون من بني البشر.
وقد أولى المؤلف قضية الأيديولوجيا في حياة الشعوب عامة وفي الاقتصادي السياسي على وجه الخصوص، أهمية خاصة، فتناولها بإسهاب في الفصل الرابع من كتابه. ويؤكد المؤلف هنا أن إيديولوجية غلاة المؤمنين بحرية الأسواق قد باتت تهيمن هيمنة كاملة على الاقتصاد السياسي، وصارت تدعي لنفسها الكمال كما لو كانت عقيدة دينية منزلة من السماء. ففي اليوم الراهن بز الاقتصاد السياسي العلوم الأخرى كافة من حيث إسباغه الشرعية على الواقع القائم. فقد أمسى يوظف جل مقولاته لخدمة أهداف أيديولوجية الطابع.
ومهما كانت الحال فإن مؤلف كتاب الرخاء المفقر قد انحاز إلى جانب الفقراء الذين ينوء كاهلهم تحت وطأة البطالة المدمرة لمصدر رزقهم، فدافع، برؤية إنسانية حميمة، عن مصالحهم، ووظف كفاءته العلمية، للكشف عن زيف مقولات الليبراليين المحدثين والكلاسيكيين الجدد.
وتجدر الإشارة -هنا- إلى أن النسخة العربية لا تتطابق تطابقاً كلياً مع الطبعة الألمانية الثالثة. فتلبية لطلب المؤلف اشتملت الترجمة العربية على التغيرات التي يزمع المؤلف إدخالها على الطبعة الرابعة من الكتاب.

Description

بيانات كتاب الرخاء المفقر ؛ التبذير والبطالة والعوز

العنوان

الرخاء المفقر ؛ التبذير والبطالة والعوز

المؤلف

كارل غيورك تسين

الترجمة , التحقيق

عدنان عباس علي

الناشر

مركز الإمارات للدراسات والبحوث

تاريخ النشر

01/12/2006

اللغة

عربي

ردمك

9948008588

الحجم

24×17

عدد الصفحات

292

الطبعة

1

المجلدات

1

النوع

ورقي غلاف عادي

يحتوي على

جداول

المراجعات

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يراجع “الرخاء المفقر ؛ التبذير والبطالة والعوز”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *