نبذة عن كتاب التنمية الصناعية في العالم العربي ومواجهة التحديات الدولية
نهضت أغلبية الاقتصاديات العربية منذ منتصف القرن العشرين وخاصة بعد تحقيق أقطارها تباعاً الاستقلال السياسي. وقد قدم بعضها في فترات مختلفة نماذج جيدة في مجالي الإسراع بمعدلات النمو والاضطلاع بنشاطات حيوية للتنمية. ويمكن لأي باحث أن يتلمس هذين المجالين في تطور القطاع الصناعي في مصر، وفي تقدم الخدمات السياحية في لبنان، وفي تعزيز الاستثمارات التعدينية (المعدنية وغير المعدنية) في أقطار المغرب العربي، وفي بروز الصناعات الكيماوية والبتر وكيماوية وتعاظم المواقع التجارية لأقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ومع كل هذه الحقائق، يلاحظ في المقابل تخلف معدلات تنمية الاقتصاديات العربية عن معدلات نموها السنوية، وتقلب إيراداتها وأسواقها واستثماراتها، وتشوه العلاقات الهيكلية لبعض عناصرها وقطاعاتها ومؤسساتها وارتباطاتها الدولية. ومما هو معروف لدى المهتمين كافة أن جانباً من العوامل المسببة لهذه الظواهر ينبع من خارج العالم العربى. ولقد تجسدت هذه العوامل في جملة من التحديات الدولية، وهي تظهر في شروط للتحولات التكنولوجية والتسهيلات الائتمانية، أو في قيود على صادرات الأقطار العربية وخاصة من المنتجات الصناعية التحويلية، أو في مناورات استراتيجية على الصادرات الأولية وأثمانها الدولية، أو في سياسات الدول الصناعية وتكتلاتها القارية، أو في ما تكرسه المؤسسات عبر الوطنية من إمكانيات التحكم والتي تمتد بشابكاتها الدولية إلى أنحاء العالم كافة وإلى مختلف النشاطات الاستثمارية والتبادلية.
ومن هنا تبرز أهمية هذا البحث في بيان أنماط التنمية الصناعية السائدة في العالم العربي، وكشف العناصر التي تحول دون تصاعد هذه الأنماط في مسارات متوازنة هيكلياً، وخاصة مع الضعف النسبي للتوجهات الجماعية العربية لمواجهة العناصر الأخيرة بكل تحدياتها المتزايدة دولياً.
وعليه فإن هناك فرضية أساسية تستحق الاختبار، وهي أن استمرار خصائص التشوه الهيكلي في القطاع الصناعي وتشتت الجهود التنموية القطرية وضعف التوجهات الجماعية قد تكالبت على إضعاف الدول الحقيقي للتنمية الصناعية العربية في مواجهة التحديات الدولية.
ويتطلب اختبار هذه الفرضية دراسة موضوعية لمسارات التنمية الصناعية في العالم العربي ولتحديات القوى (أو المؤثرات) الاقتصادية الدولية لهذه التنمية ولما حققته جهود المواجهة المتباينة في مجالاتها الجغرافية والإقطاعية والمؤسسية، وذلك وفق أسلوبين متكاملين للتحليل، أحدهما يقوم على التحول من المستوى العربي إلى المستوى القطري، والآخر ينتقل من الوقائع الجزئية إلى الاتجاهات العامة.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.