نبذة عن كتاب الأحكام الشرعية بين التعبد ومعقولية المعنى
كان من نتائج النظر في دروب النصوص بحثًا عن علل الأحكام أن توصل الفقهاء إلى قدر كبير من تعليل الأحكام، ونعتها بـ”معقولية المعنى”، وذلك حين انكشف لهم العلة من ورائها، وبقيت أحكام أخرى لم ينكشف لهم- في صدد البحث عن علل لها- العلل الكامنة فيها، فتوقفوا عن الحكم عليها بكونها معقولة المعنى، وكان مؤدي خلوها من معقولية المعنى في نظرهم أن اعتبروها أحكامًا تعبدية، أي أنها خالية من علة من منظور الجهد الاجتهادي لاستنباط العلل، وإن كانت لا تخلو من علة عند كثير منهم في نظر الله سبحانه وتعالى.
وإن بيان تنوع الأحكام الشرعية بين التعبد ومعقولية المعنى يظهر وسطية الإسلام التي لم تجعل الأحكام كلها تعبدية أو كلها معقولة المعنى، وذلك لأن الشارع لو جعل الأحكام كلها تعبدية لمنع ذلك دور العقل في تفهم الأحكام الشرعية وتعليلها، وفي ذلك إهدار للعقل الذي أنعم الله به على الإنسان، ومدح من يستعمله، كما في قوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون}.
وكذلك لو جعل الشارع الأحكام كلها معقولة المعنى، لذهبت فائدة التسليم للشارع الحكيم، وإظهار العبودية الكاملة إزاء ربوبية الله سبحانه وتعالى وأحكامه.
فالشريعة الإسلامية التي من صفاتها الأساسية الوسطية، قد جعلت الإنسان يتقلب بين هذين النوعين من الأحكام حتى تحصل فائدة كل نوع، ولا تطغى فائدة لأحدهما على فائدة الأخرى.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.