نبذة عن كتاب التاريخ.. ماذا ولماذا؟
هذا الكتاب “التاريخ ماذا ولماذا؟” إنه لا يقدم سرداً لأحداث تاريخية (ولا يحكي تاريخاً يعينه) وإنما يحلل عن فهم وتعقل ووعي ذاتي طبيعة التاريخ وموضوعه وأهدافه ودوره وصعوبات الموقف التقليدي والتحديات التي تواجهه والتي تثيرها العلوم المختلفة والفلسفات ضد شرعية المفاهيم التي بها يأخذ التقليديون والقضايا التي يبحثها التاريخيون وإعادة كتابة التاريخ وتفسيره والاختلاف بين التقليديين والمعاصرين، وغاية كل ذلك الإجابة عن السؤال ماذا يكون التاريخ؟ ولماذا نحن نصنعه وندرسه؟ وجملة هذه القضايا والتساؤلات تؤكد حاجة المؤرخ والدارس إلى نوع من الوعي الذاتي وهو حقاً امتياز هذا الكتاب، لأنه بدون الوعي الذاتي يستحيل تكوين رؤية أو منظور في الحياة بعامة وفي التاريخ بخاصة، ومن المستحيل أن يكتب المؤرخ التاريخ دون منظور معين أو وجهة نظر، ومهما تكن وجهة النظر هذه فإنها تنم عن وعي وموقف يحتسب للمؤرخ، وذلك في حد ذاته يجعل فعل كتابة التاريخ وتفسيره وتأويله فعلاً واعياً وبالتالي يصبح فعلاً ذا قيمة، ولكنها قيمة في إطار ما هو إنساني ونسبي وليس في إطار المطلق.
والتركيز على أهمية الوعي الذاتي في دراسة التاريخ وإعادة كتابته وتفسيره ليس فقط ميزة هذا الكتاب، ولكن أيضاً نجده واضحاً عند مفكرين تاريخيين آخرين، فمثلاً المفكر التاريخي “هـ. أ. مازو” يؤكد “أن التاريخ معرفة وليس سرداً للماضي الإنساني”، وبالتالي يعطي للوعي دوراً فعالاً في دراسة التاريخ.
فالاهتمام بالوعي يفضي إلى تأكيد العلاقة بين التاريخ والفلسفة، وهو ما يؤكده بيفيرلي صراحة حيث يرى أن هذه العلاقة تبدو محل جدل وإعتراض عند كثير من المفكرين المؤرخين أصحاب الموقف التقليدي في أواخر القرن العشرين، هم يناهضون هذه العلاقة ويعتبرونها طريق الخطأ، ويلتزمون نهج النزعة الوضعية واستخدام المنهج العلمي وإلتزام العقلانية الأكاديمية في دراسة التاريخ وكتابته وصولاً إلى زعم الحقيقة التاريخية.
ولكن التطور العلمي يفضي إلى النسبية والاحتمال ووضع كل زعم للحقيقة واليقين المطلق موضع التساؤل فأصبح ثبات الحقيقة ثباتاً نسبياً، وكان لذلك تأثير لا يمكن إغفاله على الدراسة التاريخية وكتابة التاريخ بفعل الفلسفات المعاصرة والحركات النسائية ونظريات ما بعد الحداثة التي يبدو تأثيرها قاطعاً في الدراسة التاريخية.
وقد تم وضع كل ما هو يقيني موضع التساؤل مثل “الوقائع” و”الموضوعية” و”الحقيقة التاريخية”، والتساؤل حول صحة تلك المفاهيم واستنتاج أنه لا يوجد على الإطلاق وضع مفرد واحد تحكي منه قصة الماضي بشكل نهائي إنما يدل حتماً على النسبية ولا مهرب منها في العلاقة بالماضي.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.