شارع ذو اتجاه واحد

نبذة عن كتاب شارع ذو اتجاه واحد

“ليس فى الفقر ما يشين”. حسن جداً. لكنهم مع ذلك يشينون الفقير. إنهم يشينونه، ثم يواسونه بالقول الشائع: “الفقر ليس خطيئة”. هذا القول واحدً من تلك الأقوال التى ربما كانت لها قديماً قيمةً معينة، لكن الأمور اليوم تجاوزتها منذ زمن بعيد. وهو لا يختلف عن القول الفظ: “من لا يعمل لا يجب أن يأكل”.
حين كان ثمة عملً يطعم من يعمل، كان ثمة أيضاً فقرً لم يكن يشينه حين يصيبه نتيجة حصادٍ سئٍ أو أية مصيبة أخرى. لكن ثمة شئً مخز فى هذه الحرمانات التى هى قدر ملايين البشر منذ مولدهم وتصيب مئات الآلاف الذين يسقطون فى وهدة الفقر. فالقذارة والبؤس يرتفعان حولهم مثل جدران تقيمها أيدٍ خفية. ومثلما يستطيع الفرد تحمل الكثير إذا تعلق الأمر به، لكنه يشعر بخزىٍ له ما يبرره حين تراه إمرأته على هذا النحو، أو تقع هى ذاتها ضحية لذلك، فإن له الحق فى تحمل الكثير حين يكون وحده وفى تحمل كل شئٍ طالما يخفى ذلك. لكن ليس لأحد أبداً الحق فى إبرام سلامٍ منفصلٍ مع الفقر، حين يخيم الفقر، مثل ظل هائل، فوق قومه ومنزله. فعليه حينئذ أن يبقى حواسه متيقظة، لتدرك كل إذلال يفرض عليها وبذلك يفرض عليها إنضباطاً طويل الأمد، حتى لا يصبح ما تفتحه هذه المعاناة هو طريق الكآبة الهابط، بل طريق التمرد الصاعد.