حول هذه الحياة

نبذة عن كتاب حول هذه الحياة

مجموعة من المقالات كتبها باري لوبيز في أزمنة مختلفة؛ إلا أنها تأتلف فيما بينها، وتتناغم في طروحاتها لأنها منبعثة من عمق الحياة. ووراء هذه المقالات يختفي طفل صغير سكن يوماً ما في كاليفورنيا كان يود التعبير عما رأه للتو؛ حيوان متوحش يفر هارباً بين أحراش الكريوسوت في الصحراء، ملقياً إلى الخلف نظرة ذات بريق، أو ثلاثة أسطر عن محادثة التقطها تبدو أنها تحتوي كل شيء يحتاج إليه الإنسان لفهم كيفية إصلاح شرخ عميق بين الجسد والروح.
ويطفو هذا الطفل إلى سطح ذاكرة الكاتب مقبلاً وهو يدور في سعادة غامرة تحت حمائمه، ويتوارد على ذهن الكاتب طيفاً من الإيحاءات يدونها عبارات ويدرك باري لوبيز حينها بأن الإنسان قد يحتاج عمراً كاملاً للتعبير عما يجول في رأسه، وحين يمتلك تلك القدرة التعبيرية فإنه يكون قبل ذلك قد راقب وسجل، وحاول المرة تلو المرة التعبير عن كل ذلك لينتهي إلى محاولة أخيرة هي كالولادة لعباراته.
وباري لوبيز في كتابه هذا وصل إلى تلك اللحظة الأثيرية التي يشتاق إليها كل كاتب، وكأنه بذلك يعرف القارئ بالتوجهات التي يجب على الكاتب التنبه إليها وممارستها كي يصبح كاتباً. وغايته من مقالاته هذه الإسهام في أدب التأمل، فمن خلال عباراته البلاغية ذات الجذور الطفولية والتي رشحت عن طفولة أمضاها في الهواء الطلق في كاليفورنيا، والتي تستوحي لغتها من صفوف الدراسة في مدارس اليسوعيين في مدينة نيويورك، أراد من خلالها المساعدة في خلق مجموعة من القصص تزخر بنظرات فلسفية، اجتماعية حياتية، وبتأملات تتسع لها نفس تحن إلى طفولة بعيدة، لم يكن بمقدورها التعبير عن حالات جمالات النفس المنبثقة عن جمال الطبيعة، في ذلك اليوم البعيد.هذا الكتاب خطوة جادّة يبيّن فيها المؤلف الطريق الذي يمكن الاعتماد عليه بدرجة أكبر للمحافظة على إمكانيات العواطف الإنسانية والجزء المقدّس في حياة الفرد.
إنه طريق القصص التي لا يُطلب منها أن تعطي توجيهات في حبِّ الرفيق، أو البحث عن وجود الحقيقة؛ وإنما تقدّم نماذج للصوت والرابطة، وللحدث والصورة. وحين نقرأها أو نستمع إليها نحتضن أفق الذاكرة العريض. ونستطيع تمييز الحقيقة، أو نلمح-أحياناً-كيفية العيش بدون يأس وسط الرعب الذي يلازمنا، يفك ترابطنا؛ لأن القصة رباط ثقة بين الكاتب والقارئ ثم إنها-في نهاية المطاف-عمل اجتماعي.